الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **
الإقسام: مصدر أقسم يُقسم إذا حلف والحلف له عدة اسماء، وهي: يمين، وآلية، وحلف، وقسم، وكلها بمعنى واحد، قال تعالى: واختلف أهل العلم في (لا) في قوله (لا أقسم). فقيل: أنها نافية على الأصل، وأن معنى الكلام: لا أقسم بهذا الشيء على المُقسم به، لأن الأمر أوضح من أن يحتاج إلى قسم، وهذا فيه تكلف، لأن من قرأ الآية عرف أن مدلولها الإثبات لا النفي. وقيل: إن (لا) زائدة، والتقدير اقسم. وقيل: إن (لا) للتنبيه، وهذا بمعنى الثاني، لأنها من حيث الإعراب زائدة. وقيل إنها نافية لشيء مقدر، أي:لا صحة لما تزعمون من انتفاء البعث، وهذا في قوله تعالى: والإقسام على الله: أن تحلف على الله أن يفعل، أو تحلف عليه أن لا يفعل، مثل: والله، ليفعلن كذا، أو والله، لا يفعل الله كذا. والقسم على الله ينقسم إلى أقسام: الأول: أن يقسم على ما أخبر به ورسوله من نفي وإثبات، فهذا لا بأس به، وهذا دليل على يقينه بما أخبر الله به رسوله، مثل: والله، ليشفعن الله نبيه في الخلق يوم القيامة، ومثل: والله، لا يغفر الله لمن أشرك به. الثاني: أن يقسم على ربه لقوة رجائه وحسن الظن بربه، فهذا جائز لإقرار النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ذلك في قصة الربيّع بنت النضر عمة أنس بن مالك رضى الله عنهما فلما عرفوا أنه مصمم ألقى الله في قلوب الأنصار العفو فعفوا، فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ]، فهو لقوة رجائه بالله وحسن ظنه أقسم على الله أن لا تكسر ثنية الربيع، فألقى الله العفو في قلوب هؤلاء الذين صمموا أمام الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ على القصاص، فعفوا وأخذوا الأرش. فثناء الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ شهادة بأن الرجل من عباد الله، وأن الله أبر قسمه ولين له هذه القلوب، وكيف لا وهو الذي قال: بأنه يجد ريح الجنة دون أحد، ]، وهي الربيع هذه، رضى الله عن الجميع وعنا معهم. ويدل أيضا لهذا القسم قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ]. القسم الثالث: أن يكون الحامل له هو الإعجاب بالنفس، وتحجر فضل الله - عز وجل - سوء الظن به تعالى، فهذا محرم، وهو وشيءك بأن يحبط الله عمل هذا المُقسم، وهذا القسم هو الذي ساق المؤلف الحديث من أجله. أن تألى على الله - عز وجل - فقد أساء الأدب معه وتحجر فضله وأساء الظن به، وكل هذا ينافي كمال التوحيد، وربما ينافي أصل التوحيد،، فالتألي على من هو عظيم يعتبر تنقصا في حقه. عن جندب بن عبد الله رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: * * * قوله: (قال رجل). يحتمل أن يكون الرجل الذي ذكر في حديث أبي هريرة الآتي أو غيره. قوله: (والله يغفر لفلان). هذا يدل على اليأس من روح الله، واحتقار عباد الله عند هذا القائل، وإعجابه بنفسه. والمغفرة: ستر الذنوب والتجاوز عنه، مأخوذة من المغفر الذي يغطي به الرأس عند الحرب، وفيه وقاية وستر. قوله: والحديث ورد مبسوطا في حديث أبي هريرة [يأتي (ص 1090). ] أن هذا الرجل كان عابدا وله صاحب مسرف على نفسه، وكان يراه على المعصية، فيقول: أقصر. فوجده يوما على ذنب، فقال أقصر. خلني وربي، أبُعث علىّ رقيبا؟ فقال: والله، لا يغفر الله لك. وهذا يدل على أن المسرف عنده حسن الظن بالله ورجاء له، ولعله كان بفعل الذنب ويتوب فيما بينه وبين ربه، لأنه قال: خلني وربي، والإنسان إذا فعل الذنب ثم تاب توبة نصوحا ثم غلبته عليه نفسه مرة أخرى، فإن توبته الأولى صحيحة، فإذا تاب ثانية فتوبته صحيحة، لأن من شروط التوبة أن يعزم أن لا يعود، وليس من شروط التوبة أن لا يعود. وهذا الرجل الذي قد غفر الله له، إما أن يكون قد وجدت منه أسباب المغفرة بالتوبة، أو أن ذنبه هذا كان دون الشرك فتفضل الله عليه فغفر له، أما لو كان شركا ومات بدون توبة، فإنه لا يغفر له، لأن الله يقول: قوله: (وأحبطت عملك). ظاهر الإضافة في الحديث: أن الله أحبط عمله كله، لأن المفرد المضاف إلى الأصل فيه أن يكون عاما. ووجه إحباط الله عمله على سبيل العموم - حسب فهمنا والعلم عند الله - أن هذا الرجل كان يتعبد لله وفي نفسه إعجاب بعمله، وإدلال بما عمل على الله كأنه يمن على الله بعمله، وحينئذ يفتقد ركنا عظيما من أركان العبادة، لأن العبادة مبنية على الذل والخضوع، فلا بد أن تكون عبدا لله- عز وجل - بما تعبدك به وبما بلغك من كلامه، وكثير من الذين يتعبدون لله بما تعبدهم به قد لا يتعبدون بوحيه، قد يصعب عليهم أن يرجعوا على رأيهم إذا تبين لهم الخطأ من كتاب الله وسنة رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ويحرفون النصوص من أجله، والواجب أن تكون لله عبدا فيما بلغك من وحيه، بحيث تخضع له خضوعا كاملا حتى تحقق العبودية. ويحتمل معنى (أحبطت عملك)، أي: عملك الذي كنت تفتخر به على هذا الرجل، وهذا أهون، لأن العمل إذا حصلت فيه إساءة بطل وحده دون غيره، لكن ظاهر حديث أبي هريرة يمنع هذا الاحتمال، حيث جاء فيه أن الله تعالى قال: أذهبوا به إلى النار. ونظير هذا مما يحتمل العموم والخصوص قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: في حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده فيمن منع الزكاة:
فقوله (وشطر ماله) هل المراد جميع ماله، أو ماله الذي منع زكاته؟ يحتمل الأمرين، فمثلا: إذا كان عنده عشرون من الإبل، فزكاتهما أربع شيءاه، فمنع الزكاة، أو كان عنده أموال أخرى من بقر وغنم ونقود نأخذ نصف جميع ذلك مع الزكاة؟ اختلف في ذلك: فقيل: نأخذ نصف ماله الذي وقعت فيه المخالفة. وقيل: نأخذ نصف جميع المال. والراجح أنه راجع إلى الإمام حسب المصلحة، فإن كان أخذُ نصف المال الذي حصلت فيه المخالفة. و في حديث أبي هريرة أن القائل رجل عابد. قال أبو هريرة: ( * * * قوله: (تكلم بكلمة). يعني قوله: والله، لا يغفر الله لك. قوله: (أوبقت). أي: أهلكت، ومنه حديث: ] ، أي المهلكات. قوله: (دنياه وآخرته). لأن من حبط عمله، فقد خسر الدنيا والآخرة. أما كونها أوبقت آخرته، فالأمر ظاهر، لأنه من أهل النار والعياذ بالله، وأما كونها أوبقت دنياه، فلأن دنيا الإنسان حقيقة هي ما اكتسب فيها عملا صالحا، وإلا، فهي خسارة، قال تعالى: وقوله: (قال أبو هريرة). يعني في الحديث الذي أشار إليه المؤلف رحمه الله. * * * * فيه مسائل: * الأولى: التحذير من التألى على الله. لقوله: * الثانية: كون النار أقرب إلى أحدنا من شراك نعله. * الثالثة: أن الجنة مثل ذلك. هاتان المسألتان ذكرهما المؤلف تؤخذان من حبوط عمل المتألي والمغفرة للمسرف على نفسه، ثم أشار إلى حديث رواه البخاري عن ابن مسعود رضى الله عنه: أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: قال الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله، والنار مثل ذلك) ويقصد بها تقريب الجنة أو النار، والشراك: سير النعل الذي يكون بين الأبهام والأصابع. * الرابعة: فيه شاهد لقوله: (إن الرجل ليتكلم بالكلمة...) إلى آخره. يشيءر المؤلف إلى حديث: ] ، أو وهذا فيه الحذر من مزلة اللسان، فقد يسبب الهلاك، ولهذا قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ] ، وقال لمعاذ كف عليك هذا - يعني لسانه-) قلت: يارسول الله! وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ قال: ] ولا سيما إذا كانت هذه الزلة ممن يقتدي به، كما يحدث من دعاة الضلال والعياذ بالله، فإن عليه وزره ووزر من تبعه إلى يوم القيامة. * الخامسة: أن الرجل قد يغفر له بسبب هو من أكره الأمور إليه. فإنه قد غفر له بسبب هذا التأنيب، وهذه لم تظهر لي من الحديث ولعلها تؤخذ من قوله: (قد غفرت له). ولا شك أن الإنسان قد يغفر له بشيء هو من أكره الأمور إليه، مثل الجهاد في سبيل الله، قال تعالى: * * *
|